فصل: تفسير الآيات (39- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير سورة الواقعة:

وهي مكية بإجماع ممن يعتد بقوله.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دام على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر» أو قال: «لم تصبه فاقة أبدا».
قال ع: لأن فيها ذكر القيامة وحظوظ الناس في الآخرة، وفهم ذلك غنى لا فقر معه، ومن فهمه شغل بالاستعداد.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 7):

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)}
قوله سبحانه: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} الآية، الواقعةُ: اسْمٌ من أسماء القيامة؛ قاله ابن عباس، وقال الضَّحَّاكُ: الواقعة: الصيحة، وهي النفخة في الصور، و{كَاذِبَةٌ}: يحتمل أَنْ يكون مصدراً، فالمعنى: ليس لها تكذيب ولا رَدٌّ ولا مَثْنَوِيَّةٌ؛ وهذا قول مجاهد والحسن، ويحتمل أَنْ يكونَ صفة لِمُقَدَّر، كأَنَّهُ قال: ليس لوقعتها حال كاذبة.
وقوله سبحانه: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} قال قتادة وغيره: يعني القيامة تَخْفضُ أقواماً إلى النار، وترفع أقواماً إلى الجنة، وقيل: إنَّ بانفطار السموات والأرض والجبال وانهدام هذه البنية، ترتفعُ طائفةٌ من الأجرام، وتَنْخَفِضُ أُخْرَى، فكأَنَّها عبارة عن شِدَّةِ هول القيامة.
* ت *: والأَوَّلُ أبين، وهو تفسير البخاريِّ، ومعنى {رُجَّتِ}: زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ بعنف؛ قاله ابن عباس، ومعنى {وَبُسَّتِ}: فُتَّتْ كما تُبَسُّ البَسِيسَةُ وهي السَّوِيقُ؛ قاله ابن عباس وغيره، وقال بعض اللغويين: {بست} معناه: سيِّرَتْ، والهباء: ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكادُ يُرَى إلاَّ في الشمس إذا دخلتْ من كُوَّةٍ؛ قاله ابن عباس وغيره، والمُنْبَثُّ بالثاء المثلثة: الشائع في جميع الهواء، والخطاب في قوله: {وَكُنتُمْ} لجميع العالم، والأزواج: الأنواع، قال قتادة: هذه منازل الناس يومَ القيامة.

.تفسير الآيات (8- 12):

{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)}
وقوله سبحانه: {فأصحاب الميمنة}: ابتداء، و{مَا} ابتداء ثانٍ، {فأصحاب الميمنة}: خبرُ {مَا}، والجملة خبر الابتداء الأوَّلِ، وفي الكلام معنى التعظيم؛ كما تقول: زيد ما زيد، ونظير هذا في القرآن كثير، والميمنة أظهر ما في اشتقاقها أَنَّها من ناحية اليمين، وقيل من اليمْن، وكذلك المشأمة: إمَّا أَنْ تكونَ من اليد الشُّؤْمى، وإمَّا أَنْ تكونَ من الشؤم، وقد فُسِّرَتِ الآيةُ بهذين المعنيين.
وقوله تعالى: {والسابقون}: ابتداء، و{السابقون} الثاني: قال سيبويه: هو خبر الأَوَّلِ، وهذا على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه، وقال بعض النحاة: السابقون الثاني نَعْتٌ للأوَّلِ، ومعنى الصفة أَنْ تقولَ: والسابقون إلى الإيمان السابقونَ إلى الجنة والرحمة أَولئك، وَيَتَّجِهُ هذا المعنى على الابتداء والخبر.
وقوله: {أُوْلَئِكَ المقربون}: ابتداء وخبر، وهو في موضع الخبر؛ على قول مَنْ قال: {السابقون} الثاني صِفَةٌ، و{المقربون}: معناه: مِنْ اللَّه سبحانه في جَنَّةِ عَدَنٍ، فالسابقون معناه: الذين قد سبقت لهم السعادة، وكانت أعمالُهُمْ في الدنيا سبقاً إلى أعمال البِرِّ وإلى ترك المعاصي، فهذا عمومٌ في جميع الناس، وخَصَّصَ المفسرون في هذه أشياء تفتقر إلى سند قاطع، ورُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ السَّابِقِينَ؟ فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ إذَا أُعْطُوا الْحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ بِحُكْمِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ» والمقربون عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة، قال جماعة من أهل العلم: هذه الآية متضمنة أَنَّ العالم يومَ القيامة على ثلاثة أصناف.

.تفسير الآيات (13- 25):

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)}
وقوله سبحانه: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخرين} الثُّلَّةُ: الجماعة، قال الحسن بن أبي الحسن وغيره: المراد: السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأُمَّةِ، ورُوِيَ أَنَّ الصحابة حَزِنُوا لِقِلَّةِ سابقي هذه الأُمَّةِ على هذا التأويل، فنزلت الآية: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الأخرين} [الواقعة: 39-40] فَرَضُوا، ورُوِيَ عن عائشة أَنَّها تأوَّلَتْ: أَنَّ الفرقتين في أُمَّةِ كُلِّ نبيٍّ هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: «الفِرْقَتَانِ في أُمَّتِي، فَسَابِقُ أَوَّلِ الأُمَّةِ ثُلَّةٌ، وَسَابِقُ سَائِرِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قليلٌ» قال السهيليُّ: وَأَمَّا آخِرُ مَنْ يدخل الجنة، وهو آخِرُ أهل النار خروجاً منها، فرجل اسمه جُهَيْنَةُ، فيقول أهل الجنة: تعالوا نسأَله فعند جهينةَ الخبر اليقين، فيسألونه: هل بَقِيَ في النار أَحَدٌ بعدك مِمَّنْ يقول: لا إله إلا اللَّه؟ وهذا حديث ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق مالك بن أنس، يرفعه بإسناد إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكره في كتاب رواة مالك بن أنس رحمه اللَّه، انتهى.
وقوله تعالى: {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} أي: منسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض، كحلق الدِّرْعِ، ومنه وَضِينُ الناقة وهو حِزَامُهَا؛ قال ابن عباس: {مَّوْضُونَةٍ}: مرمولة بالذهب، وقالَ عِكْرَمَةُ: مُشَبَّكَةٌ بالدُّرِّ والياقوت {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ}: للخدمة {ولدان}: وهم صغار الخَدَمَةِ، ووصفهم سبحانه بالخلد، وإنْ كان جميعُ ما في الجنة كذلك، إشارةً إلى أَنَّهُم في حال الولدان مُخَلَّدُونَ، لا تكبر لهم سِنٌّ، أي: لا يحولون من حالة إلى حالة؛ وقاله ابن كيسان، وقال الفَرَّاء: {مُّخَلَّدُونَ} معناه: مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأَوَّلُ أصوب، لأَنَّ العربَ تقول للذي كَبُرَ ولم يَشِبْ: إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ، والأكواب: ما كان من أواني الشرب لا أَذُنَ له ولا خُرْطُومَ، قال قتادة: ليست لها عُرًى، والإبريق: ماله خرطوم، والكأس: الآنية المُعَدَّةُ للشرب بشريطةِ أَنْ يكونَ فيها خمر، ولا يقال لآنية فيها ماء أو لبن كأس.
وقوله: {مِّن مَّعِينٍ} قال ابن عباس: معناه من خمر سائلة جارية معينة.
وقوله: {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} ذهب أكثر المفسرينَ إلى أَنَّ المعنى: لا يلحق رءوسَهم الصداعُ الذي يَلْحَقُ من خمر الدنيا، وقال قوم: معناه: لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطعُ عنهم لَذَّتُهُمْ بسببٍ من الأسباب، كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواعٍ من التفريق، {وَلاَ يُنزِفُونَ} معناه: لا تذهب عقولُهم سكراً؛ قاله مجاهد وغيره، والنزيف: السكران، وباقي الآية بَيِّنٌ، وَخصَّ المكنون باللؤلؤ؛ لأَنه أصفى لوناً وأبعدُ عن الغير، وسألتْ أُمُّ سَلَمَةَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ، فَقَالَ: «صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ في الأَصْدَافِ الَّذِي لاَ تَمَسُّهُ الأَيْدِي» و{جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: إنَّ هذه الرتبَ والنعيمَ هي لهم بحسب أعمالهم؛ لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قَدْرِ الأعمال، ونَفْسُ دخول الجنة هو برحمة اللَّه وفضله، لا بعمل عامل؛ كما جاء في الصحيح.

.تفسير الآيات (26- 38):

{إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)}
وقوله تعالى: {إِلاَّ قِيلاً سلاما سلاما} قال أبو حيان: إلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً الظاهر أَنَّ الاستثناءَ مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّهُ لا يَنْدَرِجُ في اللغو والتأثيم، وقيل مُتَّصِلٌ، وهو بعيد، انتهى، قال الزَّجَّاجُ: و{سَلاَماً} مصدر، كأَنَّهُ يذكر أَنَّهُ يقول بعضهم لبعض: سلاماً سلاماً.
* ت *: قال الثعلبيُّ: والسِّدْرُ: شجر النَّبْقِ و{مَّخْضُودٍ} أي: مقطوع الشوك، قال * ع *: ولأهل تحرير النظر هنا إشارةٌ في أَنَّ هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها؛ إذ أهل اليمين تَوَّابُونَ لهم سلام، وليسوا بسابقين، قال الفخر: وقد بان لي بالدليل أَنَّ المراد بأصحاب اليمين: الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا، وعفا اللَّه تعالى عنهم بسبب أدنى حَسَنَةٍ؛ لا الذين غلبت حسناتُهُم وكَثُرَتْ، انتهى.
والطلح من العِضَاهِ شَجَرٌ عظيم، كثيرُ الشوك، وصفه في الجنة على صفة مباينة لحال الدنيا، و{مَّنْضُودٍ} معناه: مُرَكَّبٌ ثمره بعضُه على بعض من أرضه إلى أعلاه، وقرأ علي رضي اللَّه عنه وغيره: {وَطَلْعٍ} فقيل لعليِّ: إنَّما هو: {وطَلْحٍ} فقال: ما للطلح والجنة؟! قيل له: أَنُصْلِحُهَا في المصحف؟ فقال: إنَّ المصحفَ اليومَ لا يُهَاجُ ولا يُغَيِّرُ. وقال عليُّ أيضاً وابن عباس: الطلح الموز، والظل الممدود: معناه: الذي لا تنسخه شمس، وتفسير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في الْجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَاد المُضَمَّر في ظِّلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعْها»، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ}، إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى.
* ت *: وفي صحيحي البخاريِّ ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في الجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعُهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أوْ تَغْرُبُ» انتهى.
{وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ} أي: جارٍ في غير أُخْدُودٍ.
{لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} أي: لا مقطوعة بالأزمان كحال فاكهة الدنيا، ولا ممنوعةٌ بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهةُ الدنيا، والفُرُشُ: الأَسِرَّةُ؛ وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ: إنَّ في ارْتِفَاعِ السَّرِيرِ مِنْهَا مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.
* ت *: وهذا إنْ ثبت فلا بُعْدَ فيه، إذْ أحوال الآخرة كلها خَرْقُ عادة، وقال أبو عبيدةَ وغيره: أراد بالفرش النساء، و{مَّرْفُوعَةٍ} معناه: في الأقدار والمنازل، و{أنشأناهن} معناه: خلقناهن شيئاً بَعْدَ شيء؛ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: «هُنَّ عّجائِزُكُنَّ في الدُّنْيَا عُمْشاً رُمْصاً جَعَلَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ أَتْرَاباً»، وَقَالَ لِلْعَجُوزِ: «إنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا الْعَجُوزُ، فَحَزِنَتْ، فَقَالَ: إنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الْجَنَّةَ أُنْشِئْتِ خَلْقاً آخَرَ». وقوله سبحانه: {فجعلناهن أبكارا} قيل: معناه: دائمة البكارة، متى عاود الوطء وجدها بكراً، والعُرُبُ: جمع عَرُوبٍ، وهي المُتَحَبِّبَةُ إلى زوجها بإِظهار محبته؛ قاله ابن عباس، وعبر عنهنَّ ابن عباس أيضاً بالعواشق، وقال زيد: العروب: الحسنة الكلام.
* ت *: قال البخاريُّ: والعروب يسميها أَهْلُ مَكَّةَ العَرِبَةَ، وأهل المدينة: الغَنِجَة، وأَهل العراق: الشَّكِلَة، انتهى.
وقوله: {أَتْرَاباً} معناه: في الشكل والقَدِّ، قال قتادة: {أَتْرَاباً} يعني: سِنًّا واحدة، ويُرْوَى أَنَّ أَهل الجنة هم على قَدِّ ابن أربعةَ عَشَرَ عاماً في الشباب، والنُّضْرَةِ، وقيل: على مثال أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنةً، مُرْداً بيضاً، مُكَحَّلِينَ، زاد الثعلبيُّ: على خَلْقِ آدَم، طولُه ستون ذراعاً في سبعة أذرع.

.تفسير الآيات (39- 50):

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)}
وقوله سبحانه: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الأخرين} قال الحسن بن أبي الحسن وغيره: الأولون سالف الأُمَمِ، منهم جماعةٌ عظيمة أصحابُ يمين، والآخِرُونَ: هذه الأُمَّةُ، منهم جماعة عظيمة أهلُ يمين، قال * ع *: بل جميعهم إلاَّ مَنْ كان مِنَ السابقين، وقال قوم من المتأولين: هاتان الفرقتان في أُمَّةِ محمد، ورَوَى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: «الثُّلَّتَانِ مِنْ أُمَّتِي»، وروى ابن المبارك في رقائقه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «إنَّ أُمَّتِي ثُلُثَا أَهْلِ الجَنَّةِ، وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، وَإنَّ أُمَّتِي مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا» انتهى.
وقوله سبحانه: {وأصحاب الشمال...} الآية: في الكلام معنى الإنحاء عليهم وتعظيم مصائبهم، والسَّمُومُ: أشد ما يكون من الحَرِّ اليابس الذي لا بَلَلَ معه، والحميم: السخن جِدًّا من الماء الذي في جهنم، واليَحْمُومُ: هو الدخانُ الأسودُ يُظِلُّ أهلَ النار؛ قاله ابن عباس والجمهور، وقيل: هو سرادق النار المحيط بأهلها؛ فإنَّهُ يرتفع من كل ناحية حتى يُظِلَّهُم، وقيل: هو جبل في النار أسود.
وقوله: {وَلاَ كَرِيمٍ} معناه: ليس له صفة مدح، قال الثعلبيُّ: وعن ابن المُسَيِّبِ {وَلاَ كَرِيمٍ} أي: ولا حسن نظيره من كل زوج كريم، وقال قتادة: {لاَّ بَارِدٍ}: النزل {وَلاَ كَرِيمٍ}: المنظر، وهو الظِلُّ الذي لا يغني من اللهب، انتهى، والمُتْرَفُ: المُنَعَّمُ في سَرَفٍ، وتخوض، و{يُصِرُّونَ} معناه: يعتقدون اعتقاداً لا ينزعون عنه، و{الحنث}: الإثم، وقال الثعلبيُّ: {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ}: يقيمون {عَلَى الحنث العظيم} أي: الذنب، انتهى، ونحوهُ للبخاريِّ، وهو حَسَنٌ نحو ما في الرسالة، قال قتادة وغيره: والمراد بهذا الإثم العظيم: الشركُ، وباقي الآية في استبعادهم للبعث، وقد تقدم بيانه.

.تفسير الآيات (51- 57):

{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)}
وقوله سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون}: مخاطبة لِكُفَّار قريش ومَنْ كان في حالهم، و{مِّن} في قوله: {مِّن زَقُّومٍ} لبيان الجنس، والضمير في {مِنْهَا} عائد على الشجر، والضمير في {عَلَيْهِ} عائد على المأكول، و{الهيم} قال ابن عباس وغيره: جمع أهيم وهو الجمل الذي أصابه الهُيَامُ بضم الهاء، وهو داء مُعْطِشٌ يشرب الجملُ حتى يموتَ أو يسقمَ سَقَماً شديداً، وقال قوم هو: جمع هائم وهو أيضاً من هذا المعنى؛ لأَنَّ الجملَ إذا أصابه ذلك الداءُ، هام على وجهه وذهب، وقال ابن عباس أيضاً وسفيان الثوري: {الهيم}: الرمال التي لا تُرْوَى من الماء، والنُّزُلُ أول ما يأكل الضيف، و{الدين}: الجزاء.

.تفسير الآيات (58- 63):

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)}
وقوله سبحانه: {أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} الآية: وليس يوجد مفطورٌ، يخفى عليه أَنَّ المَنِيَّ الذي يخرُجُ منه ليس له فيه عمل ولا إرادة ولا قدرة، وقرأ الجمهور: {قَدَّرْنَا} وقرأ ابن كثير وحده: {قَدَرْنَا} بتخفيف الدال، فيحتمل أَنْ يكونَ المعنى فيهما: قضينا وأثبتنا، ويحتمل أَنْ يكون بمعنى: سَوَّيْنَا، قال الثعلبيُّ عنِ الضحاك: أي: سَوَّيْنَا بين أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي: على تبديلكم إنْ أردناه، وأَنْ نُنْشِئَكُمْ بأوصاف لا يصلها علمُكُم، ولا يُحيطُ بها فكركم، قال الحسن: من كونهم قردةً وخنازيرَ؛ لأَنَّ الآية تنحو إلى الوعيد، و{النشأة الأولى}: قال أكثر المفسرين: إشارة إلى خلق آدم، وقيل: المراد: نشأة الإنسان في طفولته، وهذه الآية نَصٌّ في استعمال القياس والحَضِّ عليه، وعبارة الثعلبي: ويقال: {النشأة الأولى} نطفة، ثم عَلَقَةٌ، ثم مُضْغَةٌ، ولم يكونوا شيئاً {فَلَوْلا} أي: فهلا تذكرون أَنِّي قادر على إعادتكم كما قَدَرْتُ على إبدائكم، وفيه دليل على صِحَّةِ القياس؛ لأَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سبحانه الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأُخْرَى، انتهى.